عقلانية أم براجماتية أم انهزامية؟
د. محمد مورو
بدلًا من بناء نهضة شاملة عن طريق مشاركة جماهيرية واسعة، واستنادًا إلى الذات وتطويرها والاستفادة من كل العلوم والتقنيات العصرية، أو حتى انتزاعها انتزاعًا كما يطرح أصحاب المشروع الإسلامي للنهضة، فإن العلمانية التي حكمت بلادنا منذ قرنين تقريبًا، تعمدت تخريب الذات واستبعاد الجماهير بل وقمعها، ثم اختزلت مفهوم النهضة الصحيح إلى مجرد حداثة، تُعنى باستهلاك السلع الغريبة دون الحصول على البنية الصناعية اللازمة لإنتاج هذه السلع؛ وبذلك بددت الثروات العربية الهائلة في استيراد أحدث المقتنيات والسلع الاستهلاكية، وبعبارة واحدة؛ بددت الثروة وأحدثت انفصامًا في الشخصية العربية.

وفي تطور أخير له ما وراءه، قدمت لنا العلمانية شعارًا جديدًا يكشف عن الكذب والنفاق وإرهاب المصطلح، وهو "العقلانية"، وحولت هذا المصطلح إلى أيديولوجية كاملة لها سماتها، رغم أن العقل والعقلانية والأسلوب العقلي والعلمي والمنطقي أمر لا علاقة له بالأيديولوجية، ولا يمكن أن يشكل أيديولوجية في حد ذاته.

وبديهي أننا لسنا في حاجة هنا إلى أن نؤكد ما هو معلوم من الدين والتاريخ والحضارة والواقع بالضرورة؛ من أن الإسلام دين عقلاني، والحضارة الإسلامية حضارة عقلانية، أو دعوة القرآن الكريم في عشرات الآيات إلى التفكير واستخدام العقل والنظر والتدبر، بل جوهر الحوار القرآني والإسلامي عمومًا مع خصوم يدور حول دعوتهم إلى استخدام العقل، أي أن العقلانية واللاعقلانية محاولة لإخفاء السيئات النظرية والأيديولوجية الغربية تحت مصطلح يخفي معالمها ويروج سُمَّها بيننا.

على أي حال يعترف الدكتور "برهان غليون"، في كتابه "اغتيال العقل": (أن العقل ليس اكتشافًا جديدًا في الثقافة العربية، ولا هو غرة للحضارة الغربية). وكذا يعترف كلٌّ من "زكي نجيب محمود" و"محمود أمين العالم" بأن الإمام الغزالي، وهو عند العلمانيين أسوأ الصور الفكرية الإسلامية وأشدها تخلفًا: (عقلاني النظر إلى أقصى الحدود) [الوعي والوعي الزائف، محمود أمين العالم].

ويقول محمود أم...